" الإجراءات التي أتخذها ليست إلا تدبيرا جذريا للإسراع في تفجير الحقيقة والوصول للعدالة".ولكن لدي شغف واحد: تنوير الذين تم حجبهم في الظلام، وباسم الإنسانية معاونة هؤلاء الذي عانوا الكثير ولهم حق التمتع بالسعادة.رسالتي رسالة احتجاج نارية وما هي الا مجرد صرخة روحي.دعوهم يتجرؤن ويجلبونني أمام محكمة قانونية، وليتم التحقيق معي في وضح النهار! " إميل زولا ،"إنى أتهم! "(1898)

السبت، ديسمبر 04، 2010

صديقي هل سأعود؟؟؟؟؟؟؟قصة

((عفوك ما شحذت منك .. لا تخف ولست مخبولاً كما تظن إنني مثلك من زعانف المدينة – مثلك أشتهي ، والفرق بيننا أن يدي ممدودة أكتمها في جيبي الفارغِ كم أمدها إلى صديق – لكنني صاحبُ كبرياء – فقد مددت بالأمس يدي إلى حبيبتي فهربت حبيبتي فقطعتْ يدي – حبيبتي شاعرة موهوبة جميلة مخبولةٌ لا تسأم الرحلة في التجريد ، وقطعتْ يدي..)))


محمد المهدي المجذوب_(شحاذ في الخرطوم)


كان في قريته الذره

مثقلة الاعواد بالثمار

و القطن في حقولها منور

و لوزه نضار


(ودالمكي_(نشيد للقرشي).......




كنت منذ طفولتي أستيقظ مبكراً أمسك قريتي من يدها أرنو بها نحو المشرق نوقظ الشمس ونلقي على الصباح التحيه.. ثم أعود مسرعاً نحو المكان أسلم قريتي للمكان ،نعم وُلدت ، في هذه القرية النائية الجميلة التي لم تعرف هذا التطور ، تلك القريه المرصعه من الطين المزدان بالزباله .. أهلها عندما يبادرون أحداً بالسلام يستخدمون كل ما يمكن ليبلغ سلامهم كل حواس الأخر .... يسلمون بأصواتهم .. كأنهم يقولوا صباح الخير و يرفعون أيديهم بالسلام وفي نفس الوقت يغمزون بأطراف عيونهم .. إذاً إنهم أناس طيبون صادقون يريدون أن يؤكدون حبهم للأخرين بكل لغات الأشياء ..و لدت ببساطة في ذلك البيت الفسيح الرحب و لعبت في سنيني الأولى كرة الشراب ومارسة هوايتي المحببة صناعه الشراك (القلابات)فكم من الطير اكلت ، و كنا نأكل منه و لا نشبع، مشيت في تلك الحقول و قفزت وراء الجراد و لعبت مع غنم الراعي و سبحت في ترعه قريتنا ... كم مرة جلست و تلذذت بتلك الموسيقى بين حفيف القطن والذرة واللوبيا و خرير جداول الحواشات وزقزقة الطيور و تقديم البهائم للراعي و صوت المنجل و غناء اسراب الحسان اللاتي يملأنَ مايحملنه من الترعه و ابوعشرين...ومارست كغيري من ابناء القرية السطو البرئ في انصاص الليالي علي الحواشات حيث العنكوليب و الجناين الزاخرة بملاذ وطاب من خضروات (طماطم،عجور ،بصل اخضر وغيرها)،كما ركبنا الحمير التي لهم جميعهم معها قصص اللهم ليس في هذا العمر...ربما لاحقا.....و في قريتنا صممت للشوارع أكتاف تفوح منها رائحة الظلال والزمان وفي قارعتها كم تسامرنا الي اوقات متاخره من الليل، أتذكر كل لحظات الحب التي عشتها بين هولاء الصحاب وعالمهم وقصصهم وحياة السابقين من آبائهم وأمهاتهم اكسبنا بعض من حياة تفصل بيننا وبين أجيال زمنية طويلة ....ولا انسي في تلك الفترة دروس القرآن التي تعلمناها في مسجد قريتنا وكيفية كتابة أولى حروفي الهجائية ومعرفة نطقها وأنا أعاني من لثغة غيرواضحة في حرفي الغين والخاء ....والمسجد بدون مئذنه مرتفعه له سلم حديد كم تسلقته و إذا صعدت ونظرت إلى الأسفل أرى عورات القريه كامله ... لكنني عندما أصعد أعلق نظري نحو السماء... أكشف عورتي أنا ... مرت الايام الجميلة بسرعة ،..وفي يوم ما صحوت علي غير العاده قبل الفجر انتظرت حتى اقترب الفجر .. وبدلاً من أن آخذها بيدها الى حيث المشرق ..نحوت بها نحو المدينه (السافل )وفي قرارة نفسي أن أوزع القريه على المدينه .. وتبعت نظري بخطاً وجله تفوح منها رائحة السرعه .. أخذت أنشي في المدى مدينه خيالية بنيتها بأحجار المرمر والزبرجد وشيءمن الأمنيات والامال الجميلة المرسومه في مناديل الدعاء ....

وحال فراغي من بناء المدينه ...... عدت مسرعاً الى القريه واخذتها من يدها .... وعند وصولنا الى بوابات المدينه إذ كان لها بوابتان إحداها من زنجبيل والأخرى من قرنفل ، وفوق البوابتين تسمر قوس قزح معلق فيه أرجوحه خصصت للمناسبات .. هناك أبت قريتي الدخول الى المدينه .. حتماً أنها قرأت خبايا نيتي وكشفت قرارة نفسي وقالت بيني وبين مدينتك قوس المطر ، فتركتها ورائي ودخلت المدينة متجاوزا القوس، فلم احتمل ان تظل وحيده فرجعت اليها ..لماذا لاتدخلي معي من بوابه المدينة ...فقالت لي الامر ليس لي ...فأسل من اتوا معي ...وانا واقفا معها اذ بنسيمها يمر من امامي متنهد تنهد يتيم يائس، فسألت مستفهماً لماذا تتنهد ايها النسيم اللطيف؟ فأجاب : لأنني ذاهب نحوى المدينة مدحوراً من حرارة الشمس حيثُ تتعلق باذيالي النقية مكروبات الأمراض وتتشبث بي انفاس البشر السامة. من أجل ذلك تراني حزيناً.مرَّ النسيم ثم التفتُّ نحو شجيرات القطن والذرة والقمح فرأيتها تذرف من عيونها قطرات الندى دمعاً،فسألت: لماذا البكاء يا أيتها الشجيرات الجميلة؟فرفعت واحدة منهن رأسها اللطيف و قالت : نبكي لأن انسان المدينة سوف يأتي و يقطع أعناقنا و يذهب بنا نحو المدينة و يبيعنا كالعبيد و نحن حرائر، و إذا ما جاء المساء و ذبلنا رمى بنى الى الاقذار.كيف لا نبكي و يد اهل مدينتكم الكبيرة قاسية سوف تفصلنا عن الحقل وربما الي الابد؟و بعد هنيهة سمعت الجداول والترع والتقانت وابو عشرينات وابوستات تنوح كالثكلى، فسألتها: لماذا النواح؟ فأجابت لأن سائر بنا كرهاً الى المدينة حيث يحتقرني انساناها وقادتها تستعيضُ عني بالزيوت البتروليه و يستخدمنوني لحمل ادرانهم. كيف لا انوح و عن قريب يدنس شرفي و تصبح نقاوتي وزراً و طهارتي قذراً؟ ؟ثُم اصغيت فسمعتها تغني نشيدا جميلا رائعا و لكنه حزيناً يحاكي الندب فسالتها لماذا تندبين يا ايتها الطيور الجميلة؟فاقترب مني عصفور وجلس على كتفي و همس في أذني: سوف يأتي احدهم حاملاً آلة جهنّميّة تفتك بنا فَتكَ المنجل بالزرع ، فنحنُ نودع بعضنا بعضاً لأننا لا ندري من منّا سيتملص من القدر المحتوم. كيف لا نندب و الموت يتبعنا اينما سرنا؟ واخيرا التفت لي القرية في عطف وخوف قائلة ...لاتضيع وقتك أنا سوف أكون من الجهه الخضراء وأنت ومدينتك من الجانب الرمادي اللون هنا أحسست بالخواء والخسران المبين وأن كل ما بنيته لا فائدة فيه وتمنيت أني بنيت المدينه من تمراً أو زبيباً علني عند جوعي أكله لكن ( قدر الله وماشاء فعل ) وفي دائرة الفراغ كثرة الأسئله إذ انعطف نحوي قوس المطر يهمسني في عيني ، قال ماذا أرى حول أكتاف الشوارع في المدينه أهناك نار ؟ ( يعني القناديل والشموع )...حائراً أمسيت وأصبحت خاويا لا ألوي على شيء أعيش بين نار الهجر للقريه وشمس المدينه الحارقه .. عندها قررت شيئاً .. سوف ألقي على المدينه أول بيانات الخيانه .. قلت للمدينه .. أيتها المدينه عمتي صباحاً وحامت حولك اللعنات .. أنتي تعرفينني قبل أن تكونين مدينه .. عندما كنتي عدماً من تراب وسراب ، حيث كنت أنا انهل من براءة الريف ولدي مفتاحاً أفتح به مغاليق السماء خمس مرات في اليوم والليلة .. وقد مارستي أيتها المدينه دور الغوايه وأوقعتي بي في الرذيله وجعلتي القريه تحكم علي بالنفي المبين والإبعاد وحرمتني من الحريه فاصبحت كالعصفور ، في قفصك ،!وقلتي لي انها حريتك و أين تلك هي الحرية التي ترجح عند العصفور بالأهل و الرّوح؟!و أنطلقت منذ الصباح نحو مسجدها العتيق وتجاوزت نافورة الموعد وخزان الطهاره وتسلقت القبه حتى تشبثت بحلمتها وتسللت الى المئذنه .. التي كانت مصممه بهندسه مسروقه من العاصمة التركية القديمة .. تزينها ثقوب مرتصه فوق بعضها من الجهه الشرقيه والغربيه يتسلل الضؤ من خلالها ويصنع سلماً من الضؤ .. وصعدت في سلم الضؤ الى أعلى المئذنه ، صحت بأعلى صوتي .. صوتي الذي كنت أحيك به الخيط الحريري بين السماء والأرض ( عندما كنت في الريف ) وصاح معي قوس المطر وصاحبنا ود المكي واصحابه المشردين ،فصحنا كلنا:::::---

الله للشاعر المفلس و الصعلوك


حينماتضمهم دروبها في اخر الليل


مشردين تعبس في وجوههم ماذن الله

و مهرجان الكذب المثقل بالنيون


تصيح ابواب البنوك : اقبضوا عليهم


وتصيح ابواب الحوانيت : الى الوراء


وتركل العمارات البديعة الرواء


ضلوع احبابي المشردين في العشيات


واذ اسير دون اصدقاءتخرج لي لسانها الطوابق العليا


و يرقص البناءكيدا و سخريه

ـ



وقلت لها جئت أحمل اليك نبؤةً كتبت من أجلك على صخراً من عهد عاد أخا ثمود .. وأنك منذ هذا الصباح لن تكوني ذات العماد ولتكوني اندلسا اخري او كربلاء مدينةً للبكاء محاطةً بالعويل إيقاعك اللطم وينحر في جوفك التوحيد .. ثم صاحت وهي تشقق ثوبها عن عورتها ( يا ريفي ياذا القرنين إفرغ علينا شيأً من نحاس ..) قلت لا ..ثم كلا وهذا لن يكون .وللمجهول يممت وجهي ثم غادرتها لا ألوي على شيء .. حافي القدمين جائعاً وفي قدمي شقوق ...هي عمري .. دائماً أتسلى بعدها وأعرف كم بلغتُ من السنين وكم بيني وبين إدراك الحلم .... وانطلقت في مسارات ترسمها لنا رياح الغربة، اقتربنا من مدائن مزعجه ، وأنا مازلت أخشى المدائن وأخشى الأسئلة ، ولكن طرحت السؤال من جديد :ياصديقي .....هل ستعود..... الي القرية الي الريف.؟؟؟؟.فاجاب مبتسما :وهل أنت ستعود؟؟؟؟



.