في يوم من الأيام ضرب الحاردلو موعداً مع جارية من جواريه الحسان ، واتفقا على أن تأتيه في البيت بعد أن يتعشى الناس وينفضوا من مجلس الحاردلو ، وترك الحاردلو للجارية تقدير الوقت الذي ينصرف فيه الناس . فتعشى الناس وصلوا صلاة العشاء وتحدثوا وخاضوا فيما يخوضون فيه ، وكان الشاعر على غير عادته لا يقبل كثيراً على المتحدثين كأنه يستثقل حديثهم ، وهو يريد أن ينفض الجمع وينصرف هو للقاء الجارية ، وقد انصرف الجلساء بعد حين وبقي الشاعر منتظراً . ومرت ساعة وأخرى والجارية لم تأت . ولما طال به الانتظار غلب عليه النوم فنام . ولم تكن الجارية تقدر أن جلساء الحاردلو سينصرفون في الوقت الذي انصرفوا فيه ، فإن العادة جرت أن يبقى هؤلاء جزءاً من الليل ، وذهبت هي تنفق أكثر هذا الوقت في الاستعداد للوفاء بالوعد والزيارة .
فلما تقضى الليل إلا أقله أقبلت الجارية فوجدت الشاعر نائماً فغلب عليها الحياء أن توقظه ولكنها احتارت فيما تصنع ، فإن هي بقيت معه فلا معنى لبقائها وهو نائم وإن هي عادت فلعله لا يصدّق أنها أتت وقد انتظرها وقتاً طويلاً . وبينما هي في تلك الحيرة أبصرت عصاه (المطيرق) وقد أسندها على طرف السرير فأخذت الجارية العصا لتكون دليلاً وبرهاناً مادياً على حضورها .
وأصبح الشاعر متعجباً من إخلاف الجارية وعدها ، وأصبحت المطيرق في بيت الجارية شاهداً على وفائها . وعرف الشاعر جلية الأمر وعادت إليه المطيرق فكانت هذه القصيدة التي تحكي القصة بلغة الشعر .
*
الحاردلو : ذِكْرَتي بالبنَاتْ لا عِنْ مَصَوّع فاحت
ضـايِقْ غُلْبَهِنْ مِن شينَتِنْ بَتَّاحَتْ
جُـدّيعْ وَدْعَتِنْ باللّيمْ عَلَيْ ما طاحَتْ
هَبَرتْ كَفَّتي وعُقُبْ المِطيرق راحَتْ
* عبدالله : الليلة المِطيرقْ في نَعيـمْ وسَرورَة
وإِتْ النومْ عَبدْتو وما قَريتْ لكْ سورة
ساعْتينْ إن صَبَرْ كُتْ تَحْظَى بي البدّورَه
سَعَدَكْ أَصْلو داكْ ما بْجَبِّر المَكْسورة )
الحاردلو :
غَفْوَتْ عِيني ديكْ مِنْ يومَه ماها مَرِيَّة
وأَصْبَحْ حالي مِثْلْ أَلْ دَخَّلوا الظَّبْطيَّة
إترَجَّاكَ يا ابو التَّايَة أوَّلْ سَيَّه
ما اتْواخّذْ واكونْ في حالَة غِيرْ مَرْضِيَّة
* عبدالله :
مَسامَحْ يا أَبو يوسف وَلَوْ في مِيَّه
كَوْنَكْ للدُّغُسْ بِتْسَمِّح القافيَّه
إنْ بِقِي للمِطيرِقْ شيلَه جابْ لو حَكيَّه
مي مَسْروقَة لاكِينْ فيها حِكْمَه خَفِيَّه
*الحاردلو :
بَعَرْفَكْ وَكِتْ تَقومْ في حَجَازَة واجْواديَّة
تَبْذُلْ فيها جَهْدَكْ بي صَفَاوَتْ نِيَّة
مَعْلومْ تَصْلِحْ البَطْحاني والشُّكْريَّة
لاكِينْ المِطِيرِقْ ما بْتَجي غير دِيَّة
* عبدالله :
شِيلتَه في الحقيقة مِثَبّتابَ الجَيَّه
خوفْ مَسْكْ الضَّهَرْ واللوم مع الكُلِّيَّه
في سَبَبْ المِطيرِقْ لا تَسيلَكْ دَيَّه
أنا مَلْزوم بها وتاني الضَّمانة عَلَيَّ
( دَيَّة بفتح الدال : اللغط والأصوات التي تحدث عند المشاجرة )
*الحاردلو :
أَصْلَها مِن بَشَم مردَا مِن الغَصَّان
ونوناياً كَتير جادْعَه على الجِدْيان
سَرَّاق المطيرق فيهو نوع رَسَيان
مو سَرَّاقْ حُمارة أل إسْمو اخوك حَسَّان
* عبدالله :
شَرَّفْتْ المطيرق سِيتَه زَيْ الزَّانْ
ودا كُلُّه السَبَبْ بُرَيبَتْ العِنْقانْ
ما لُمْناها ها السرقة أمْ جَديداً بانْ
كان تِتَّنى فوقَه نْكَتِّرْ الأوْزانْ
* عدلان :
جِيبْ قافَ المطيرق خَلْ بيهوها النسَّلَى
نَجَّادَع بو في مَجلس أخوك عِبْد الاه
أضْحَك وانْبَسِطْ خَلْ فاطْرَكْ ال أنْحَلَّ
مي مَسْروقَة أظنَّها عن بِرِنْجي الحِلَّه
*الحاردلو :
طَوَّلْ بالعَسينْ قانِصْ بدَوِّر كَلْبي
ما لْقيتْ من يَحِقْ نَمِّي ونوادِر قَلْبي
عادْ يا بْنَيَّة كانْ فَدْ ليلْ معاي تِنْسَلْبي
هاكْ يا سَمْحة شِنْ ما دُّوري مِنِّي أطُلْبي
* عبدالله :
من حَسَسْ أُمْ رشومْ الحارْ بقول واغُلْبي
وما لْقيتْ لَيْ طبيباً يَعرِفْ الحاصِلْ بي
شَمْبانيها مو بَرَّاني خافِسْ قَلْبي
زَيْ هَنْتَرْ نِهارْ زِنْهارو واقِفْ حَرْبي
*الحاردلو :
أعْضاي انْشَوَتْ والارْضْ بِقَتْ مَلاله
وعُمري بَلا لماكْ قط ما بَشُوفْ لو طَلاله
بِتْ السُّرَّة كان حَكَمَتْ عَلَيْ بي لاله
رَضْيَانْ إن بقيتْ ودُّوني لي الشَيَّالَه
(الملالة : رماد حار فيه بقية من نار . لماك : أصلها من لمّ والليم هو اللقاء . طلالة : في القاموس معناها البهجة والحالة الحسنة . الشيالة : المشنقة . )
* عبدالله :
مطيرق الحارْ عليها الليلة جِبْنا مَقَاَلة
وهي بِقْيَتْ سبب والمعنى لي من شَالَه
سِتَّاتْ اللّبيق والفَاطِرْ ال بِتْلالا
بت السُّرَّة فيهن جاز حَسَن في هْلاله
(بت السرة : هي الرضية بت السرة . جاز حسن : صاحبة القصة في بني هلالة)
*الحاردلو :
طالْتَ المُدَّة من فرق ام لِهِيجْتَنْ نَيَّه
مَرَّاً تعتذر ومَرْ تابَ الجيَّه
كان سِمْعَتْ لنا الْ قُلْناهو في الحَمَديَّة
ما بْتَحْوجْنا في مطيرق تِسِيلْها قَضيَّه
(الحمدية : جارية مشهورة بحسنها قال فيها الشاعر شعراً جيداً )
* عبدالله :
البَهَمْ الحَقيقَتْ نِسْلو كبَّاشيَّه
بتمايَح بَرا مُقْدَ الجزيرة النَّيَّه
حاشاها المَلامْ في السَّمتة والعَرْضِيَّه
خَلْ كُتْرَ الكلام ارْجانا ها العِشويَّه
*الحاردلو :
من فَرْقْ الدُّغُسْ دايْمَ الابد قَرْهانْ
ومن قِلْ الفلوس أَصْبحْتَ في حِرْمانْ
فَتَّشتَ البلد عَدلانْ مع عَرْمانْ
مالقيت ليك متيل ياأم قرقداً كِيمانْ
(القرقد : الشعر الكثيف الجعد .)
* عبدالله :
الكابورْ ضَرَب واتجمَّع البيشانْ
وجن بنُّوت رُفاعة ولِبْسَنْ النّيشانْ
حين جاتْ الرضِيَّة وعبَّتْ الدُّشمانْ
زَيْ هنتر نِهار يوم صابَحْ أم درمان
(هنتر : هو القائد الإنجليزي الذي دخل مع الجيوش الإنجليزية إلى السودان)
*الحاردلو :
تفْسير المطيرق ما بِدورْ لو حَديسْ
وأصلها من بَشِمْ مِنْطرحة غير تَحْميسْ
إن صَحَّتْ فراسْةَ الكلمة في التَّقييسْ
من غير المُوَضَّح فيها معنى غَميسْ
* عبدالله :
زينت السِّرِّدار الطَّيَّع الدرويش
في الذوق واللدَب مثلك خلاسْ ما فيش
غَيِّك من زمان سَبَّب لنا الطرطيش
البنوت براك يا أم خَدْ طُراهِنْ ليشْ
*الحاردلو :
طاريهِنْ براها اصلو مالي لزومْ
شالْتْ الشُّوفْ بَعَدْ ما تْجَمَّعَنْ لي لزوم
في غْناكْ السَّبَقْ ما قُتَّ أنا ملزوم
لا هَسَّعْ معايْ وَحَّه وأنينْ وبَزوم
* عبدالله :
الوفا داكْ حَصَلْ ساكِتْ بقيت زولْ لومْ
وصَدَقوا القائلين مو عاقِل المَصْرومْ
بي زْيادَة التَّضرُّع نَخْتِم المنظومْ
فوقْ سِتْ البناتْ عَوَضْ أمْ نَعيم ونْجومْ
أم نعيم : جارية أحبها الشاعر وكثر فيها القول ولعل شعره في أم نعيم هو أصدق شعره على الإطلاق . نجوم : اسم جارية أخرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق