" الإجراءات التي أتخذها ليست إلا تدبيرا جذريا للإسراع في تفجير الحقيقة والوصول للعدالة".ولكن لدي شغف واحد: تنوير الذين تم حجبهم في الظلام، وباسم الإنسانية معاونة هؤلاء الذي عانوا الكثير ولهم حق التمتع بالسعادة.رسالتي رسالة احتجاج نارية وما هي الا مجرد صرخة روحي.دعوهم يتجرؤن ويجلبونني أمام محكمة قانونية، وليتم التحقيق معي في وضح النهار! " إميل زولا ،"إنى أتهم! "(1898)

الأربعاء، يونيو 24، 2009

مشروع الجزيرة مابين دهشة هيكل وامال لويد واطماع الاقطاعين الجدد

مشروع الجزيرة مابين دهشة هيكل وأمال لويد وأطماع الإقطاعيين الجدد

قام المستعمر بسن قانون تسجيل الأراضي الذي بموجبه تم تسجيل مشروع الجزيرة وقام المشروع علي مساحة تقدر بحوالي 2.200.000فدان وتوزع ملكيتها كالأتي:
1/ الحكومة تمتلك 1.300.000فدان
2/ الملاك الاهالي900.000فدان (الملك الحر في الجزيرة حوالي518.000فدان و382.000فدان في المناقل وبقيام امتداد المناقل في عام 1958م وامتداد عبد الماجد كمشروع اعاشي في عام1963م أصبح المشروع يسمي فيما بعد بمشروع الجزيرة والمناقل.
وقد استبشر مواطنو الجزيرة خيرا بقيام هذا المشروع وقد عكس شغف المواطنين وفرحتهم بقيام هذا المشروع الصحفي المصري (محمد حسين هيكل ) نقله الاستاذ حسن نجيله في كتابه (ملامح من المجتمع السوداني) عندما كان هيكل مرافقا للمندوب السامي البريطاني اللورد(جورج لويد) عند زيارته للسودان لافتتاح خزان مكوار أو سنار في يناير من سنة 1926م عندما رأي هيكل الحسود الضخمة من المواطنين تتدفق نحو هذه القرية لتشهد افتتاح الخزان فهنا رفع حاشد الدهشة وهتف ماذا أري؟؟؟ماهذة الألوف المؤلفة وهنا بدا يتساءل هيكل هل كل أولئك الناس قد كانوا يسعون لرؤية الماء ينزل في ترعة الجزيرة؟ فلندع هيكل ودهشته جانبا ونستمع لخطاب اللورد لويد عند افتتاح الخزان الذي جاء فيه(ويجب أن يكون من نتائج هذا المشروع ليس فقط ازدياد رفاهية المزارعين بل يجب أن يعود بفائدة عاجلة لرأس المال الكبير الذي انفق في إنشائه) كان المستعمر يري بان هذا المشروع في حدة الادني سوف يحقق لإنسان المشروع الرفاهية غير مايعود من إرباح ولكن هذه الآمال سرعان ماتبخرت وأصبح مزارع المشروع يزداد فقرا علي فقره في ظل الوضع الماثل من ارتفاع التكلفة والجبايات التي لأسقف لها وضعف التمويل القائم علي أسس ظالمة وتدني العائد فالحكومات الوطنية لم تنشء مشروع الجزيرة بل إضافة فقط حكومة عبود امتداد المناقل ولكنها ساهمت مجتمعة في تدهور المشروع الذي بدا في التدهور في مطلع السبعينات من القرن الماضي وذلك بتغيير الظروف الدولية والسياسية بصفة عامة بعد قرار (نميري)بالتوسع الزراعي الأفقي ونتج عن هذا القرار ظهور عدة مشاكل في المشروع أهمها:
1/ تدني الأحوال المعيشية للمزارعين بسبب التضخم وتبعية الاقتصاد السوداني للرأسمالية الدولية وبلغ التدهور ذروته في مطلع الثمانينيات عند دخول صندوق النقد والبنك الدولي في البرنامج الاقتصادي لإعادة تعمير المشاريع المروية في الفترة من عام 1978م الي عام1981م والبرنامج الثلاثي للفترة من 1981م الي1985م وأخيرا انتهجت حكومة الإنقاذ سياسة السوق الحر وتحرير الأسعار ووضعت برنامجها الثلاثي للأعوام 1990م-1991م تهدف الخطة الي إلغاء دور الحكومة في القطاع الزراعي وخصخصة القطاع الاقتصادي كهدف استراتيجي مما كان له أثره الواضح في اهتمام بالتوسع الأفقي دون الاهتمام بتحسين علاقات الإنتاج لصالح المزارعين وقد زاد الطين بله بإصدار قانون مشروع الجزيرة لسنة2005م الذي صحب إصداره الكثير من التعتيم والعجالة وعزل الرأي العام عن المشاركة في مداولاته مع الإصرار علي استباق الزمن لعرض المشروع علي المجلس الوطني والتغيير الذي أحدثه هذا القانون في أمر الملكية مقارنة مع كل ماسبقه من قوانين يعني في ظاهره انجاز لصالح المزارع بتمليكه الحواشة وبرغم ماوجد من قبول من قادة اتحاد المزارعين وبعض الاخرين لشئ في النفوس فما هو ألا تزيين لأمر سمج وقبيح وخدعة كبري سيكون لها مابعدها من انعكاسات مدمرة علي وضع المزارع الذي يئن تحت وطاة الفقر ممايضطره تحت ضغط الحياة التي يعيشها الي اللجوء مكرها الي الوقوع في الفخ المعد له والمتمثل في الحق المكفول له بموجب أحكام هذا القانون وهو حق بيع الحواشة لتؤول من بعده لطبقة الإقطاعيين الجدد وهي طبقة طفيلية متسارعة النمو في الوسط الزراعي علي حساب الغالبية المسحوقة من المزارعين ليتحقق بذلك الهدف المقصود في نهاية المطاف من المخطط المرسوم لتدمير المشروع وهتك النسيج الاجتماعي بالمشروع وعلي الدولة أن تعي الدور المناط لها القيام به في هذه المرحلة الحرجة من عمر المشروع أن أرادت رفع الغبن عن كاهل مزارعي المشروع الذين لم يتمردوا يوما علي الوطن ولم يخرجوا عن الطاعة ويرفعوا السلاح وحينما فعلوا ذلك كان في وجه المستعمر فقط (ثورة عبد القادر ودحبوبة) فعلي الدولة أن تقوم بتعويض الملاك (ملك حر) في الوقت الحاضر أسوة بماهو حاصل في مشروع مروي وسكر النيل الابيض وغيرها مثل مناطق البترول وإعادة النظر في هذا القانون الذي خلق فجوة إدارية واضحة بإسناد أمر التمويل الي المزارع قليل الثقافة في التعامل مع البنوك مما يعرضه الي أن تباع حواشته بواسطة البنك وهناك الكثير من الماخذ علي هذا القانون التي يجب تداركها وعليها أيضا وضع إصلاح زراعي يؤمن انتفاع طويل الأمد لجمهور المزارعين .
وأخيرا بقراءة لواقع المشروع فقد زادت نسبة الفقر وسط المزارعين وضعف ارتباطهم بالارض رغم انه تاريخي متوارث من الأجداد حيث أصبحوا يحافظون عليها كشكل تاريخي مما دفع أعدادا كبيرة من المزارعين وأبنائهم للهجرة الداخلية أو خارج الوطن.

ليست هناك تعليقات: