" الإجراءات التي أتخذها ليست إلا تدبيرا جذريا للإسراع في تفجير الحقيقة والوصول للعدالة".ولكن لدي شغف واحد: تنوير الذين تم حجبهم في الظلام، وباسم الإنسانية معاونة هؤلاء الذي عانوا الكثير ولهم حق التمتع بالسعادة.رسالتي رسالة احتجاج نارية وما هي الا مجرد صرخة روحي.دعوهم يتجرؤن ويجلبونني أمام محكمة قانونية، وليتم التحقيق معي في وضح النهار! " إميل زولا ،"إنى أتهم! "(1898)

الأحد، أغسطس 01، 2010

رسائل من وحل الغربة!!!!!!!!!!!

الي صديق المستنقع:
إلى متى ستخونني الذاكرة ؛ والى متى سأمضي في هذا الطريق؛والى أين سأصل؛لقد آن الأوان يا صديقي لأصارحك بكل ما حملته وخزنته لأنني لم اعد أتحمل وأخاف أن يأتي اليوم الذي افقد به كل ما جمعته خلال السنوات المنصرمة من تجربة فيها من السواد أكثر مما تحويه منفضة من السجائرالتي تتلوى حزنا على صديق عرفته منذ أمد بعيد وأبت أن تهجره في هذه الظروف الصعبة ... إنها الأيام يا صديقي حيث أبحرت في هذا المستنقع بملء إرادتي فخلعت ملابسي وتعريت وحاولت أن ابحث عن وردة برناردشو حين قال قد تنبت الزهرة في مستنقع، فغامرت وأدرت ظهري لمن حولي يقينا مني بأنه علي أن لا انظر إلى الوراء كي اصل مسرعا فخلعت حذائي المثقوب ونزلت ابحث عن تلك الوردة... أوأكد لك يا صديقي ان الحشرات والجرذان الحقيرة التي كادت أن تهشم قدمي لم تستطع من تغيير مساري الذي رسمته فتابعت وما ذلت أتابع وسأعبر هذا المستنقع ولو جثة هامدة... رأيت الوردة من بعيد بألوانها الزاهية المتعددة وبريقها الخلاب فاقتربت منها وضممتها إلى صدري بحنين فعجت منها رائحة المستنقع... نتفتها بأظافري ومزقت بقاياها واستفرغت ما في أحشائي عليها؛ من يدري قد لا تكون هي الوردة التي حدثنا عنها برناردشو وقد لا أجدها في هذا المستنقع ولكني وجدت أشياء كثيرة اطهر بكثير من عطر الورد وحفظتها في ذاكرتي التي لم تعد تتسع وأخاف أن تعبر من ذاكرتي قبل أن اعبر هذا المستنقع العفن الذي تكالب بعوضه علي ووجد في تجاعيد وجهي وثنايا جسدي المنهك مأوا له يستريح متى يشاء وينسج الحكايات والأساطير... وأنا اسمع ولا اسمع واسمع ما تستسيغ سماعه أذني وأدعي قلة المعرفة في حل خيوط العنكبوت التي طوقت راسي وزراعي وكادت أن تشل حركتي وتسقطني لولا أن أتوكأ على قليل مما ادخرته من الإرادة التي رضعتها منذ صباي 000 مشيت وما زلت امشي ويؤلمني نعيق الضفادع وحفيف الحيتان التي تمر أمامي وخلفي ساخرة مكشرة في وجه هذا المخلوق الغريب الذي لم تالف وجوده في مثل هذا المكان000 لا اخفي عنك يا صديقي نظرات الإشفاق التي رمقتني بها العابرين فوق هذا المستنقع ودموع الحزن التي زرفتها بعض الطيور حزنا علي والتي بللت شفتي وروت عطشى 000 سأعود يا صديقي بعد أن أنظف جسدي بما اعتصره من باطن الأشجار واعصب جروحي بحبل التجربة علها تندمل وتخفف الرائحة الكريهة التي علقت بي من وسخ الأيام المنصرمة وكم هي طويلة الساعات والدقائق والثواني حين تكون على موعد مع الحرية 000 كلما فكرت بالعودة ينتابني فرح طفولي وشوق جامح إلى تلك الروابي الخضر والسهول المعطاءة والجبال الشامخة شموخ هامات الرجال الذين صنعوا من تربة الوطن أسمى تماثيل الحرية بعد ماروه بدماءهم الطاهرة ، لقد لاح لي النيل العظيم الذي لطال مانهلت منه والذ سيظل نيل للحياه مهما تثاقلت الرواسب عليه حيث لاتستطيع أن تحد من تدفقه و تعجز عن تغيير مجراه وسيبقى هادر ليروي تربة الوطن وستخضر الصحراء وتزدهر الارض في بلادي سأعود وأتشبث بتربة الوطن وسأصنع منها تماثيلا وقمحا وحرية ووعدا وتمني00 فوداعا يا رياض الهم ووداعا يا رفيقا كنت اصدق من عرفت – السعودية –الرياض - يوميات مهاجر 1/اغسطس/2010 ."

الصديق المفترس وثرثرة المغتربين
صديق الغربة هو كالسراب يحسبه الظمآن ماءً، فإذا جاءه لم يجده شيئا. صديق الغربة هو الذي تلتقي مصالحه مع مصالحك في مرحلة معينة، ولكنه يمكن أن يركلك مع أول فرصة تسنح له بالاستقلال. وصراع المغتربين هو أحدى معارك المهاجر التي تستنفد طاقاته ومجهوداته، خاصة بين أبناء الجالية السودانية. في الغربة لا تتوقعَنَّ أن يفرح لفرحك أحد، أو يبكي لحزنك صديق. والدّيَكة تجدهم في كل مكان،. وهنا لا تتعجب إذا قابلك أحدهم مبتسما وفرحا بل معانقا، وذلك بعد ساعات قليلة من الإساءة إليك حاضرا أو غائبا؛ فهذه هي أخلاق الغربة والأخلاق التي لا تجاوز أشخاصنا المحدودة لتصبح سلوكا عاما هي مغانم خاصة، عاجلة أو آجلة ينتظرها صاحبنا المغترب. خليط غريب، غير متجانس، من شوائب الغيرة والكراهية والحسد يمكن أن تختفي دهرا طويلا في نفس المغترب تجاه صديقه وحيال أقرب الناس إليه في المودة الظاهرة، ثم لا تلبث أن تنفجر فتلقي حممها في كل مكان. ولكن هذه الشرائح المختلفة المتنافرة يجب أن تعيش في مكان واحد، وأن تسعى إلى الاقتراب بعضها من بعض، ولكنه اقتراب القطيع الذي يخشى التيه، ويظن كل من يراه أنه مترابط متعاضد يعاون بعضه بعضا. واجب الصداقة في الغربة باهظ التكاليف من الأعصاب والذهن، لأنك دائما في حالة ترقب من غضب الآخر، الذي إذا خاصم فجر. وتجمعات المغتربين تحتاج إلى رابطة أخلاقية، وسلوكيات قويمة قبل أن تعلن هدفها، وإلا انهار البنيان على أصحابه. ولكن كيف تحدد السلوكيات القويمة، وأنت أمام شرائح متنافرة من البشر، تركت بلاد ها هربا من إرهاب سياسي أو بحثا عن متع زائلة، أو رغبة في ثراء سريع، أو لأن الفقر والأمية والحظ التعيس يطاردها في الوطن فجاءت تحتمي منه في عالم المغتربين؟ كيف يمكن أن ينقلب الأبيض أسود، والأسود أبيض في عالم المغتربين ، بين عشية وضحاها؟ هل المغتربون السودانيين أشرار؟ معاذ الله، فنحن أيضا من المغتربين السودانيين، ولم يكن يدور في خلدنا أن نعمم صفات في قوم نحن منهم. ما أردنا قوله هو أن الصفات المكتسبة السيئة سريعة الالتصاق بنفوس المغتربين،لأن الصغائر إذا شغلت العقل والقلب فقد أحكمت عليهما عقدة الإيذاء. في الغربة لا تختار الصحاب، ولكنك تجد نفسك معهم في السراء والضراء، وتشارك في مجاملات وأحاديث ليس لك عليها سلطان. وإلا فكيف نفسر النسيان الكلي لأي مهاجر يعود إلى بلده من قبل أقرانه الذين قضى معهم سنوات طويلة. ولكن، ماذا يحدث إذا كانت النبتة طيبة، وخرج المهاجر من وطنه بأقل عدد من الأمراض النفسية والعصبية لوجود توازن في أسرته أو بيئته الأقرب والمؤثرة فيه تأثيرا كبيرا؟ هنا يبدأ المهاجر في اكتساب صفات حميدة في الغربة، ولكنه قد يفقد بعضها مع مصاحبة هذا الكم الهائل من كرنفالات المغتربين. فأنت تشترك في أحاديث الغيبة والنميمة، وتتحدث في قضايا بلدك في ظروف لا تصلح أصلا للقضايا الوطنية. وتشتاق لهجتك وأحاديث أبناء الوطن، فتقبل مرغما وطائعا، في آن واحد، على الخوض في كل الشؤون. وأنت لا تستمع إليه، وهو لا ينصت إليك، ولكنكما تتحدثان حتى لا تقتل العزلة والوحدة أيا منكما.
والحق أن أمراض الغربة النفسية والعصبية والوجدانية ليس لها حصر، ولذلك تتوقع أي تصرف أو رد فعل دون مقدمات منطقية تؤدي إليه. أحيانا لا تعرف إن كان مجتمع الغربة غابة، ليست بها رحمة أو تعاطف، أو هو امتداد لمجتمع الوطن، ولكنك ترى فيه النفوس عارية تماما من كل قيد أسري أو عائلي أو ديني أو سياسي أو بيئي.
إن علاقة السيطرة والقهر التي تؤلف كيان كثير من المغتربين السودانيين تؤدي إلى الخوف الدائم من غوائل مجتمع الهجرة التي لا يستطيع المغترب أن يردعها أو يردها. والتهديد الدائم لقوة المغترب وصحته ورخصة عمله وإقامته تجعله في حالة فقدان مناعة، أو العكس أي تجعله مترقبا حذرا لا يهدأ له بال. وإذا اجتمعت قسوة الظروف التي اضطرته إلى الهجرة، مع قسوة الحياة التي قابلته في الغربة، فإنه يفقد السيطرة على مصيره، أما القلق على الصحة والأمن والعمل فهي هاجسه الرئيسي. والمغترب يحتاج إلى اعتراف من الآخرين بإنسانيته وحقه في المشاركة في الحياة العامة للمهاجرين، وبالتالي فهو يطمع في أن يصبح شخصا ذا قيمة في المجتمع الجديد. إن استمرار التبخيس الذي يصيب الإنسان المغترب بالإحباط يؤدي إلى اتساع مساحة الكراهية التي يحملها المغترب لأقرانه في الوطن الجديد. إنه لا يتمنى النجاح لصديقه، لأنه في عالم المنافسة لا تتسع الأرض لكل المتنافسين، والملعب لا يحتمل وجود كل اللاعبين. إن تغذية عقدة النقص التي تتحكم في المغترب تزيده كراهية لأبناء وطنه الذين شاهدوه ضعيفا، في حين يظن أهل وأصدقاء الوطن هناك أن " ابنهم" انتقل من عالم التخلف إلى عالم النجاح والشهرة والتقدم، وبالتالي فهو الذي يمنحهم القيمة، بدلا من الأمر الطبيعي وهو أن قيمته تنبع أصلا من هناك. والمغترب الذي يشعر بنقص صوب أبناء وطنه لا بد له من انتهاج سلوك تعويضي عن القهر الذي يتعرض له كل يوم وكل ساعة. ترخيص العمل، جواز السفر، اللغة، الثقافة، عدم وجود أصدقاء من أبناء البلد المضيف، موقعه كمواطن من الدرجة الثانية حتى لو كان يحتل مركزا مرموقا، الثقافة الجديدة التي يجد لزاما عليه أن يستوعبها، ولكنه لا يقتنع بها، ويمنعه ماضيه وثقافته الأصلية من هضم الجزء الأكبر من ثقافة المجتمع الجديد. وعشرات من الأسباب الأخرى التي تجعلنا نقترب من فهم تصرفات المغترب السوداني غير المنطقية التي تتعارض مع أبسط سلوكيات الأخلاق والشرف. إن ضيق دائرة التعارف بين زملاء الهجرة تجعل نبع الموضوعات الشيقة والأحاديث المفيدة والتبادل الثقافي والوجداني والعقلي يجف.....

وصديق الغربة هو الرفيق العابر، حتى لو امتدت الرفقة سنين عددا، ولو أمعنت النظر في هذه الصداقة لوجدتها هشة ضعيفة، تؤذيها الذبابة الشاردة، وتقتلها النسمة الباردة، وتوردها الردى خاطرة هم، أو وسوسة سوء.
إن الذهنية المتخلفة لـ " بعض" المغتربين تجعل عددا كبيرا من تجمعات المغتربين فوضى وعشوائية وتخبطا وانجرافا في أمور جانبية.
وصديق الغربة قد يطرق بابك في أي وقت ويبلغك الخبر الذي توقعته منذ أن صافحته أول مرة، وهو أنك لم تكن في يوم من الأيام صديقا، وما بينك وبينه لا يعدو أن يكون ثرثرة مغتربين.
وأكثر أصدقاء الغربة شرا هو الذي كان محروما قبل خروجه من بلده، وقد يكون حرمانا عاطفيا، أو أسريا، أو ماديا، أو فكريا.
وإذا أخرج المحروم كوامن البغض المتراكمة في نفسه عبر سنين الطفولة وبعض مراحل الشباب فسترى أمامك بركانا هائجا من العفن والتخلف. فهو يحط من قدر كل الناس، وهو يتطاول على من هم أفضل منه علما وخلقا. وهو لا يصغي إلى نصيحة، ولا يستمع إلى رأي، ولا ينصت إلا إلى صوت نفسه الخارج من أعماق الضعف والجهالة.
وصديق الغربة كما أسلفنا لا تعرف عنه شيئا، وهو المالك الأوحد لماضيه، يخلقه ثم يزركشه، ثم يسد كل مناحي الضعة والضعف فيه، وأخيرا يقدمه إلى أصحاب الغربة.
لهذا يتساوى في الغربة، للوهلة الأولى، الصعلوك والكبير، المتخلف والمتحضر، الحاقد والمتسامح، العبد والسيد.
وصديق الغربة، يظل تجزيئيا وعاجزا عن النظر نظرة شمولية، فهو لا يرى أبعد من محيطه الأناني، ولا يتمكن من استشفاف آفاق بعيدة سواء كانت في ماضيه أو محيطه الجديد. وصديق الغربة لا يهنئك على نجاح، ولكنه يتصل بك إذا ألمت بك مصيبة أو أحاطت به قارعة ليعرف إن كانت ستصيبه هو أبضا أم ستظل بعيدة عنه.
وصديق الغربة المتعلم او نصف المتعلم يغير جلده كل يوم، بل قد يغيره في اليوم الواحد مرات كثيرة وهو مناضل ومنعزل، وهو تقدمي ورجعي. وهو زبون دائم لكل البضائع الإسرائيلية، ومع ذلك فهو يخرج في مظاهرات فلسطينية منددا بالوحشية الصهيونية. وهو يحدثك في الدين، ومع ذلك فهو يستمتع بكأس من الخمر في المساء. وهو مع الركب أينما كانت هناك منفعة، فإذا انفض المولد بحث عن غيره.
أما عندما يغضب عليك فسترى الضعف البشري كله مجسدا فيه، ولو أراك نصف أنياب الأسد بارزة من بين فكيه.
ووقتها لن تصدق أن هذا الشخص عينه هو الذي قابلك بالأحضان والقبلات عشرات المرات، وهو الذي تحدثت معه في خصوصيات كثيرة، ودعاك إلى بيته، ودعوته إلى منزلك مرات لا حصر لها. إنه قادر بين عشية وضحاها على تحويل علاقتك السابقة معه إلى صورة قاتمة من الكذب والرياء والنفاق بل والاختبار، حتى لو كانت كلها، أو أكثرها، وردا ومودة إن ذهب بك الظن إلى ذلك.
ولو كانت ذاكرته ضعيفة، فهي قوية عندما يتذكر كلمة منك أساءت إليه عن غير قصد، أو موقفا سلبيا مر عليه حين من الدهر، أو خطأ صغير اعتذرت عنه منذ وقت طويل.
هل رأيت أسدا يفترس شاة ثم جعل يمزقها قطعة قطعة؟... إن تكن قد رأيته فقد رأيت الرحمة نفسها إذا قارنته بصديق الغربة الغاضب الذي يهدم المعبد وعلى أعداء من الوهم خلقهم من داخل نفسه المريضة.
قلنا من قبل أن أمراض الغربة النفسية والعصبية الفكرية كثيرة جدا، وهي تحتاج إلى تجمع ضخم من المحللين والأطباء النفسانيين لمحاصرة قوة اندفاعها حتى لا تأكل الأخضر واليابس في حياة المغتربين، مرضى وأصحاء.
إننا نعزو الجزء الأكبر من هذه الأمراض إلى عامل التجمع المتنافر لهذه النماذج من البشر، التي تصطدم كل ساعة، بل كل لحظة، لأن عامل الجذب الأكبر، وهو رباط الغربة، أوهن من بيت العنكبوت.
إن الذهنية المتخلفة لبعض المغتربين قد جعلت الحدث الخطير ـ الهجرة ـ مركز صراع وبؤرة تضاد تجمع المتنافرين بالمتجانسين ليخرج من بين أضلعها مزيج غريب من كل شيء يحمل في طياته بذور فشله قبل نجاحه. في هذا التجمع يحدثك الوضيع عن الأخلاق، والجاهل يصدر فتواه في كل أنواع العلوم، والجبان يقص عليك من نبأ معاركه الماضية مع الإرهاب والظلم والقهر.وبطولاته الزائفة.
ابتسامة صديق الغربة باهتة كلون الملابس القديمة الرثة، ولا تعرف أحيانا إن كانت لك أو عليك، فتظل حائرا مع هذا الصديق حيرة الجاهل بأقوال سقراط.
إن التصدي العقلاني الموضوعي لظاهرة الغدر لدى صديق الغربة قد تكون بداية جيدة للوصول إلى أسباب التحولات والتغيرات النفسية التي تطرأ على تصرفات بعض المغتربين.
إن الحلول السحرية الغيبية والتغاضي عن الواقع، وعدم مجابهة الحقيقة، ليس لها مكان في محاولة التصدي لهذا المشكل الخطير وحله.
إن صديق الغربة الذي يغدر بك ويشكك في صداقتك ويحملك وزر محبتك له، ويعاتبك على إخلاصك، وينتقد استمرار مودتك إياه هو مريض بكل المقاييس، وهو كالمجرم الطليق يؤذي نفسه ويؤذي غيره.
إن الذين يتنفسون عبر هؤلاء المرضى، ويسكتون عن جرائمهم ويرفعون من شأنهم، ويبررون ـ ظاهريا ـ كل ما يبدر منهم، هم شركاء معهم وسينالهم من المرضى أنفسهم ما نال غيرهم.
إن سيطرة بعض الجهلاء، وحاملي الأمراض العصبية والنفسية، وغير الأسوياء على تجمعات بعض المغتربين تجعل من هذه التجمعات أضحوكة مبكية. إن بعض تجمعات المغتربين في حاجة إلى محللين نفسيين قبل الحصول على أي دعم مالي، وهي تجمعات يسقط دورها إذا لم يقم بقيادتها أصحاء مثقفون عاقلون أسوياء. و بذرة الغدر التي يحملها صديق معه في حله وترحاله يمكن القضاء عليها بتنقية تجمعات المغتربين لتتولى الصفوة قيادتها، وتجمع أكبر قدر ممكن من التجانس بين الأفراد.
لكل هذه الأسباب التي ذكرناها عن صديق الغربة، وأسباب أخرى غيرها قد نعلم بعضها ونجهل البعض الآخر، لم تقم تجمعات السودانيين المغتربين في السعودية بدورها خارج الوطن، لأن الامية ضاربه باطنابها فيها وهمومها كثيرة ومشاكلها تستعصي على العصبة أولي القوة من الرجال. ويظل في الأمل أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.

الي .......أمي....الحبيبة......

ولماذا كلّما سمعتُ صوتكِ امتلأتُ بالإيمان ؟!
الحمّى التي كانت لاتبردُ في جسمي إلا حين تضعين يدك على رأسي
هل كانت تعلَم أن برَد الجنةِ في يديكِ أقوى من احتمالِ الشّر وتمرّده ؟!
أشعر أنها كانت تخافُ يديكِ وتجفلُ سريعاً , كنتِ تطردينها من لَمسة,
وكنتُ حينَ أتعافى أعتقدُ أنّكِ من الملائكة ..
وكنت ترددين معي القصائد وانا احفظها في سنوات دراستي الاولي...وانتي جزله وطربه بموسيقها ومعناها اوليس فيها تلك الابيات التي تقول (ان الذي بيني وبين بني ابي وبني عمي لمختلفا جده..فان اكلوا لحمي وفرت لحومهم وان هدموا مجدي بنيت لهم مجدا...وكنت تردديها بفرح لااعمل بها ..لان لي اخوه من ابي وعمي....
مازلتُ أذكر أنني كنت أسخر منكِ بصمت وأتمادى في ذلك حين أقول
" مَن ذا يعمل بذلك غير احد من الملائكة ؟!
والآن فقط " حين أحتاجُ إلى استرجاعها والامعان في معانيها أعلم كيفَ كنت معلمةوعظيمةٍ حقا وان كنت من الاميين الذي شرفهم الله بان بعث نبيا منهم لحكمة يعلمها .
هل تعلمين يا أمي ..
انا أتألم ..ليس لأنني لم أفخر بك يوماً ولكن لأنني أضعتُ كل تلك السنواتِ في لومك على قلبك الكبير والجميل, في عتَبي المستمر على زيادة طيبتك حتى مع أعدائك
هل تذكرين يوم تخرجي بكيتِ وأنا أقول ..هذا نجاح يعني لازم الهم !
لم أكن أعلم أن لديك أنتِ أيضاً دموع فرح .. دموعٌ تتغلبُ على قدرةِ الروح
وفرحتها تتطايرُ لأن حجم الفرحة أكبر من احتمال الجسد .. كنتُ أعتقد أنك تبكين أمرا آخر .
أخبروني أن المرأة شيءٌ ضعيف أمام مباهجِ الدنيا ورأيتُ أمهاتٍ يتبرجن في الشوارع
وأخرياتٍ يُخططن لبناتهن كيفَ يجمعن الرجالَ حولهن ويُخترنهم بما فيهِ المصلحة !
وأمهاتٌ يعلمنهن الرقص بالكباريهات , وأمهاتٌ يبعن بناتهن للزوج الأغلى !
وتساءلتُ بعمق . وهل مازلت أعتقد فقط أنكِ ملائكة ؟!
يقولون يا أمي أن النساء لايكن في شيءٍ إلا أتلفننه
وأن الساحرات نساء, والكاهنات نساء , والعاهرات نساء, والشيطان يسكن أجساد النساء ,
وهيفاء وهبي إمرأة وجسيكا ألبا امرأة وجنفيفر وشاكيرا ولآنا كورنيكوفا ودينا وفيفي نساء
وأنتِ تعيدين لروحي الحياة كلّما علمتِ أنك أنتِ أيضا رمز للطهرِ والدين والعقل والجمال وأنك أيضاً نساء !
الجسد المثقوبُ مدعاةٌ للنقص .. ألم أقل لكِ ذلك يوماً يا أمي
ألا تتابعي الأفلام أووه نسيتُ أنك تنامين عند الثامنة لتضمني صلاة الفجر
وتقومي بعد اداء الصلاة بهز الكانون وشاي الصباح ومن ثم تحملي حزمة الحطب وتتجهي للعشة (حيث الصاج)وتبدي في طقوس عواسة الكسرة والتي ان لم يكن لكي سواها من عمل لشهدت لكي بانها من اعظم اعمالك الدنيوية..... حين شاهدتِ احدى الفتيات في حفل زواج اختي تكشف عن ظهرها وساقيها صرختِ بأن الله سيغضب علينا وعندما أدير قُرصُ الموسيقى قطعت الأيمان بأن الأرضَ ستخسفُ بنا في قاعها الملتهب ..يا لجمالك ياأمي! وانت تبري بوالدتك وكانها لم تلد غيرك ورغم مشغولياتك ادمنت الذهاب اليها وانت تلفحي ثوبك من غير ارادة وكان يد خفية تتدفعك نحو طريق بيت امي الاخري...يالجمالك....نعم تخرجي بكامل حشمتك ....وأنتِ لاتعلمين عن مراقصِ التعري ولاتتوقعين بحياتك أن هناك أماكن لبيع المومسات وباصات لنقلهن للزبائن بشكل رسمي ومرخّص .
دعي هذهِ أمي أجزم تماماً أنكِ حين تعلمين بحفلات تبادل الأزواج ستفكرين في الإنتحار جديا أو أنك ستقضين الليل في صلاة لاتنقطع , ومتأكدة أنك ستدعين الله أن يغفر لك- فقط -لأنك سمحتِ لنفسك بتخيل صدقية وجود فجورٍ كهذا !
أو أنك يا أطهر النساء لا أريد أن أخبرك أنهم يحتفلون في أحد البلدان بيوم يدعى يوم العراة اووه كيف ستصدقينني وأنتِ حتى في زواج احد بناتك رفضتِ ان تخلعي ملفحتك وتضعي خمارك ..ما رأيك يا أمي في خبرِ متظاهرين كويتيين يُطالبون بحقوق الشواذ من الجنسين في الزواج والحقوق المدنية !
أكنتِ ستصدقينني حين أخبرك بأنهم يتحدثون لغتنا ويعتنقون ديننا وأهلهم ربما
شاركوك الطواف حول الكعبة ذات عُمرة ؟!
أرأيت يا أمي كيف أنكِ مازلتِ بكل هذا الجمال والطهرِ والبراءة تُصعّبين علي مهمة الكلام ..مهمة البوح لكِ بأن العالم بات قبيحاً ملعوناً فاسقاً مُتخماً بالفحور
وأنه مازال لم يبصق عل نفسهِ بعد ..لم يشعر بالعار لم يقذف بنفسه من اعلي الشرفة ..
لم يتناول سماً مع وجبته اليومية من ماكدونالدز ... لم يصحو يوماً وهو عازم على التغيير
.. أمي....
حسناً هذا الصمتُ أمامكِ طال ولا بُدّ أن أتحدث , لا بُد أن أشكو ,لابد أن أفضفض من كومةِ التعب التي علَت روحي واستقرت في قلبي فأجفلهُ التعبُ عن النوم سأخبُرك بالأقل هل تعلمين أن مكة نفسها سجلت أكبر نسبةِ جرائم قتل وسرقة
واغتصاب ومخدرات في السعودية ربّما في هذه ستصفينني بالمتآمر وأن الشيطان لن يزول من لساني حتى أستعيذ منه سبعاً وربما طلبتِ مني التوجة للصلاة تكفيراً عن كذبةٍ مسيئةِ لأهل البلد الحرام .. رغم أنك تعلمين أن أغلب الفاسدين مسلمين جاؤوا من كل بلد ليصنعوا امبراطورية فساد بجانب حمام الحرم تماماً .
لا لن أجازف وأخبرك بهذهِ سأكتفي بإخبارك أن كثيرمن بنات الجامعات والثانويات
يمارسن الشذوذ ويسمينه الحب في الله تطميناً لجانب الضمير وعقدة الذنب قليلاً .
كيف ستصدقين هذا وأنتِ لم تحبي في حياتك سوى أبي وأن الحب لديك طهور يتلوه طهور لايدنسه سوى التوقف عن الحب من أجل الغيرة أو الزواج من أخرى لأنك حتى وأنتِ تبكين في يوم زواج أبي عليك لينجب الأولاد بدلاً من سرب البنات كنتِ تحبينه إلى الدرجة التي عطرتِ فيها ملابسه بعطرك الوحيد الذي تحبينه كلما وضعتِ منه ذات مساء , وتمنيتِ له ليلةَ سعيدة !!
أرجوك يا أمي توقفي عن التصاعد في ذاكرتي بكل هذا النور فأنا مظلم . معتم .. ضائع لا أستطيع أن أجازف بكشفِ شيءٍ مني .. من عتمتي ..
من العالم الذي تنامى وكبر عن القرية الصغيرة التي نعرفها سوياً ..
إنه يلطخنا بالوهم والخوف والحقد والشكوك كل يوم يا أمي ..
يشخبط سبوراتنا التي لم تعد بيضاء ...
يزيح قناعاتنا التي لم تعد راسخة ..
يسخرُ من جهلنا فيعلمنا أنهُ فاجر أكثر مما تخيلناه ! .
عن ماذا نتحدث يا أمي ؟! ..
أنتِ هنا أمامي منذُ أكثر من ساعة وأنا لا أجد ما أبدأ بهِ الحديث في حضرةِ هيبتك ونورك و إيمانك .
كيفَ ذلِك وأنتِ مازلتِ تعتقدين أن اللصوص مكانهم في السجن ,
وأن القتلة يُقتلون بحد السيف, وأن المفسدين في الأرض تُقطع أيديهم وأرجلهم من خِلاف !
لا يا أمي فورب الكعبةِ أنهم لايسكنون إلا فنادق الخمسة نجوم, ويتصدرون عناوين الصحف,وندعو لهم في الجُمعِ ويملكون رصيد في كل بنوك العالم .. ويُشار إليهم بالبنان .
أنتِ مازلتِ تعتقدين أن القُضاة لاينطقون سوى بحكم الله, ويملأؤن الأرض عدلاً وسلاموأنتِ لاتدرين أنهم باتوا أصحاب عقارٍ وسياراتٍ فخمةٍ و خليلات في عواصم الدول الاوربية و العربية والافريقية ويخافون الله أيضاً فيجعلونها إما مسيار أو مسفاراً والقائمةُ تطول! .
أنتِ مازلتِ تعتقدين أن العلماء بركات الله في الأرض وأننا بوجودهم في أمان من الفتنةلكنّكِ لم تسمعي بفتوى السلطان والانتخابات و الأحوال والظروف والمناسبات الوطنية ! .
أنتِ مازلتِ تعتقدين أن أكبر معصية علينا الآن هي سكوتنا عن نصرة دارفور!
أذن أنتِ لاتعلمين عن المجرمين الذين يسكنون الدرك الأعلى من بنايات الخرطوم,ويلعبون النرد والقطة العمياء ويُشاهدون كاس العالم في الوقت الذي يموت فيه اطفال دارفور ونسائها بالجملة وهم يرتشفون الماء البارد بدم بارد ! .
أنتِ بكلّ هذا الجمال لَن تستوعبي فكرة ان رئيسنا مجرم في نظر العدالة الدولية ومطلوب للعدالة الدولية ؟؟؟؟؟ وانت تستمعي لراديو السلطة وهو يتحدث عن خصومه في سبيلِ تعليمنا أصول الديمقراطية وحوار الأديان والسلام مع الآخر وبقية الأشياء الشاعريةِ يا أمي !بانهم عملاء ومرتزقة؟؟؟؟؟
لَن تصدقي أن حرق قري في ولايات دارفور باكملها وبما فيها لَن يعدو كونه
خير سريعُ في رزمة أخبارٍ فيها أن عضلات بطن كريستيانو رونالدو
تحتل المركز الأول في أكثر المهاجمين وسامة وأنه بات الموديل في
الملابس الداخلية لماركة ايطالية عريقة في الأزياء !
ألم تُلاحظي أنني استفضت في الحديث عنه أكثر من دارفور ؟
قاتل الله الأخبار يا أمي إنها تفعل مثلي كل يوم ..
عن ماذا أحدثك يا أمي .. وأنتِ مازلتِ لاتتخيلين أن تتبرج النساء لاذاعة خبرٍ أليم
مازلتِ تحفظين تقاليد قريتنا في نقلِ أخبارِ الموت والمرض بكل هيبة ووقار وكثيرٍ من الصلاةِ والدعاء
لقد مر وقت طويلُ يا أمي ...
في دارفور علمونا كيف تدمر من أجل البناء !!
لا أخفيك يا أمي أنها نظرية جديدة ابتكرها أحد سادة القصر ومستشاريه الكتاااااااااار
وهو يحتسي كأساً من الكركدي البارد .. تقول النظرية :
بأن يموت المتمردين مقابل حياة كريمة لمواطن دارفور ..
لكنّ المتمردين لم يموتوا بل ماتوا المواطنين ً يا أمي!! ...
اللعنة عليهم جميعا لقد كانت نظرية خاطئة وفأر التجربة كبيرُ بحجم وطن
ونحنُ صغارٌ صغارٌ صغارٌ بحجمِ ظفرك أمي !
ولكن اسمحي لي سأتحدث أخيراً لقد وجدت موضوعاً يُمكن أن نتفق عليه
ويمكن أن لا أشعر ببعدي عنكِ بهِ أكثر , حسناً سأتحدثُ أمي :
أشتقتُ إليكِ ..كثيراً كثيراً .. وكفى ! .

ليست هناك تعليقات: