" الإجراءات التي أتخذها ليست إلا تدبيرا جذريا للإسراع في تفجير الحقيقة والوصول للعدالة".ولكن لدي شغف واحد: تنوير الذين تم حجبهم في الظلام، وباسم الإنسانية معاونة هؤلاء الذي عانوا الكثير ولهم حق التمتع بالسعادة.رسالتي رسالة احتجاج نارية وما هي الا مجرد صرخة روحي.دعوهم يتجرؤن ويجلبونني أمام محكمة قانونية، وليتم التحقيق معي في وضح النهار! " إميل زولا ،"إنى أتهم! "(1898)

الثلاثاء، يوليو 21، 2009

مسدار المطيرق

في يوم من الأيام ضرب الحاردلو موعداً مع جارية من جواريه الحسان ، واتفقا على أن تأتيه في البيت بعد أن يتعشى الناس وينفضوا من مجلس الحاردلو ، وترك الحاردلو للجارية تقدير الوقت الذي ينصرف فيه الناس . فتعشى الناس وصلوا صلاة العشاء وتحدثوا وخاضوا فيما يخوضون فيه ، وكان الشاعر على غير عادته لا يقبل كثيراً على المتحدثين كأنه يستثقل حديثهم ، وهو يريد أن ينفض الجمع وينصرف هو للقاء الجارية ، وقد انصرف الجلساء بعد حين وبقي الشاعر منتظراً . ومرت ساعة وأخرى والجارية لم تأت . ولما طال به الانتظار غلب عليه النوم فنام . ولم تكن الجارية تقدر أن جلساء الحاردلو سينصرفون في الوقت الذي انصرفوا فيه ، فإن العادة جرت أن يبقى هؤلاء جزءاً من الليل ، وذهبت هي تنفق أكثر هذا الوقت في الاستعداد للوفاء بالوعد والزيارة .
فلما تقضى الليل إلا أقله أقبلت الجارية فوجدت الشاعر نائماً فغلب عليها الحياء أن توقظه ولكنها احتارت فيما تصنع ، فإن هي بقيت معه فلا معنى لبقائها وهو نائم وإن هي عادت فلعله لا يصدّق أنها أتت وقد انتظرها وقتاً طويلاً . وبينما هي في تلك الحيرة أبصرت عصاه (المطيرق) وقد أسندها على طرف السرير فأخذت الجارية العصا لتكون دليلاً وبرهاناً مادياً على حضورها .
وأصبح الشاعر متعجباً من إخلاف الجارية وعدها ، وأصبحت المطيرق في بيت الجارية شاهداً على وفائها . وعرف الشاعر جلية الأمر وعادت إليه المطيرق فكانت هذه القصيدة التي تحكي القصة بلغة الشعر .
*
الحاردلو : ذِكْرَتي بالبنَاتْ لا عِنْ مَصَوّع فاحت
ضـايِقْ غُلْبَهِنْ مِن شينَتِنْ بَتَّاحَتْ
جُـدّيعْ وَدْعَتِنْ باللّيمْ عَلَيْ ما طاحَتْ
هَبَرتْ كَفَّتي وعُقُبْ المِطيرق راحَتْ


* عبدالله : الليلة المِطيرقْ في نَعيـمْ وسَرورَة
وإِتْ النومْ عَبدْتو وما قَريتْ لكْ سورة
ساعْتينْ إن صَبَرْ كُتْ تَحْظَى بي البدّورَه
سَعَدَكْ أَصْلو داكْ ما بْجَبِّر المَكْسورة )

الحاردلو :
غَفْوَتْ عِيني ديكْ مِنْ يومَه ماها مَرِيَّة
وأَصْبَحْ حالي مِثْلْ أَلْ دَخَّلوا الظَّبْطيَّة
إترَجَّاكَ يا ابو التَّايَة أوَّلْ سَيَّه
ما اتْواخّذْ واكونْ في حالَة غِيرْ مَرْضِيَّة

* عبدالله :
مَسامَحْ يا أَبو يوسف وَلَوْ في مِيَّه
كَوْنَكْ للدُّغُسْ بِتْسَمِّح القافيَّه
إنْ بِقِي للمِطيرِقْ شيلَه جابْ لو حَكيَّه
مي مَسْروقَة لاكِينْ فيها حِكْمَه خَفِيَّه

*الحاردلو :
بَعَرْفَكْ وَكِتْ تَقومْ في حَجَازَة واجْواديَّة
تَبْذُلْ فيها جَهْدَكْ بي صَفَاوَتْ نِيَّة
مَعْلومْ تَصْلِحْ البَطْحاني والشُّكْريَّة
لاكِينْ المِطِيرِقْ ما بْتَجي غير دِيَّة

* عبدالله :
شِيلتَه في الحقيقة مِثَبّتابَ الجَيَّه
خوفْ مَسْكْ الضَّهَرْ واللوم مع الكُلِّيَّه
في سَبَبْ المِطيرِقْ لا تَسيلَكْ دَيَّه
أنا مَلْزوم بها وتاني الضَّمانة عَلَيَّ
( دَيَّة بفتح الدال : اللغط والأصوات التي تحدث عند المشاجرة )

*الحاردلو :
أَصْلَها مِن بَشَم مردَا مِن الغَصَّان
ونوناياً كَتير جادْعَه على الجِدْيان
سَرَّاق المطيرق فيهو نوع رَسَيان
مو سَرَّاقْ حُمارة أل إسْمو اخوك حَسَّان

* عبدالله :
شَرَّفْتْ المطيرق سِيتَه زَيْ الزَّانْ
ودا كُلُّه السَبَبْ بُرَيبَتْ العِنْقانْ
ما لُمْناها ها السرقة أمْ جَديداً بانْ
كان تِتَّنى فوقَه نْكَتِّرْ الأوْزانْ

* عدلان :
جِيبْ قافَ المطيرق خَلْ بيهوها النسَّلَى
نَجَّادَع بو في مَجلس أخوك عِبْد الاه
أضْحَك وانْبَسِطْ خَلْ فاطْرَكْ ال أنْحَلَّ
مي مَسْروقَة أظنَّها عن بِرِنْجي الحِلَّه

*الحاردلو :
طَوَّلْ بالعَسينْ قانِصْ بدَوِّر كَلْبي
ما لْقيتْ من يَحِقْ نَمِّي ونوادِر قَلْبي
عادْ يا بْنَيَّة كانْ فَدْ ليلْ معاي تِنْسَلْبي
هاكْ يا سَمْحة شِنْ ما دُّوري مِنِّي أطُلْبي

* عبدالله :
من حَسَسْ أُمْ رشومْ الحارْ بقول واغُلْبي
وما لْقيتْ لَيْ طبيباً يَعرِفْ الحاصِلْ بي
شَمْبانيها مو بَرَّاني خافِسْ قَلْبي
زَيْ هَنْتَرْ نِهارْ زِنْهارو واقِفْ حَرْبي

*الحاردلو :
أعْضاي انْشَوَتْ والارْضْ بِقَتْ مَلاله
وعُمري بَلا لماكْ قط ما بَشُوفْ لو طَلاله
بِتْ السُّرَّة كان حَكَمَتْ عَلَيْ بي لاله
رَضْيَانْ إن بقيتْ ودُّوني لي الشَيَّالَه
(الملالة : رماد حار فيه بقية من نار . لماك : أصلها من لمّ والليم هو اللقاء . طلالة : في القاموس معناها البهجة والحالة الحسنة . الشيالة : المشنقة . )


* عبدالله :
مطيرق الحارْ عليها الليلة جِبْنا مَقَاَلة
وهي بِقْيَتْ سبب والمعنى لي من شَالَه
سِتَّاتْ اللّبيق والفَاطِرْ ال بِتْلالا
بت السُّرَّة فيهن جاز حَسَن في هْلاله
(بت السرة : هي الرضية بت السرة . جاز حسن : صاحبة القصة في بني هلالة)

*الحاردلو :
طالْتَ المُدَّة من فرق ام لِهِيجْتَنْ نَيَّه
مَرَّاً تعتذر ومَرْ تابَ الجيَّه
كان سِمْعَتْ لنا الْ قُلْناهو في الحَمَديَّة
ما بْتَحْوجْنا في مطيرق تِسِيلْها قَضيَّه
(الحمدية : جارية مشهورة بحسنها قال فيها الشاعر شعراً جيداً )

* عبدالله :
البَهَمْ الحَقيقَتْ نِسْلو كبَّاشيَّه
بتمايَح بَرا مُقْدَ الجزيرة النَّيَّه
حاشاها المَلامْ في السَّمتة والعَرْضِيَّه
خَلْ كُتْرَ الكلام ارْجانا ها العِشويَّه

*الحاردلو :
من فَرْقْ الدُّغُسْ دايْمَ الابد قَرْهانْ
ومن قِلْ الفلوس أَصْبحْتَ في حِرْمانْ
فَتَّشتَ البلد عَدلانْ مع عَرْمانْ
مالقيت ليك متيل ياأم قرقداً كِيمانْ

(القرقد : الشعر الكثيف الجعد .)
* عبدالله :
الكابورْ ضَرَب واتجمَّع البيشانْ
وجن بنُّوت رُفاعة ولِبْسَنْ النّيشانْ
حين جاتْ الرضِيَّة وعبَّتْ الدُّشمانْ
زَيْ هنتر نِهار يوم صابَحْ أم درمان
(هنتر : هو القائد الإنجليزي الذي دخل مع الجيوش الإنجليزية إلى السودان)

*الحاردلو :
تفْسير المطيرق ما بِدورْ لو حَديسْ
وأصلها من بَشِمْ مِنْطرحة غير تَحْميسْ
إن صَحَّتْ فراسْةَ الكلمة في التَّقييسْ
من غير المُوَضَّح فيها معنى غَميسْ
* عبدالله :
زينت السِّرِّدار الطَّيَّع الدرويش
في الذوق واللدَب مثلك خلاسْ ما فيش
غَيِّك من زمان سَبَّب لنا الطرطيش
البنوت براك يا أم خَدْ طُراهِنْ ليشْ
*الحاردلو :
طاريهِنْ براها اصلو مالي لزومْ
شالْتْ الشُّوفْ بَعَدْ ما تْجَمَّعَنْ لي لزوم
في غْناكْ السَّبَقْ ما قُتَّ أنا ملزوم
لا هَسَّعْ معايْ وَحَّه وأنينْ وبَزوم

* عبدالله :
الوفا داكْ حَصَلْ ساكِتْ بقيت زولْ لومْ
وصَدَقوا القائلين مو عاقِل المَصْرومْ
بي زْيادَة التَّضرُّع نَخْتِم المنظومْ
فوقْ سِتْ البناتْ عَوَضْ أمْ نَعيم ونْجومْ
أم نعيم : جارية أحبها الشاعر وكثر فيها القول ولعل شعره في أم نعيم هو أصدق شعره على الإطلاق . نجوم : اسم جارية أخرى

ليست هناك تعليقات: