" الإجراءات التي أتخذها ليست إلا تدبيرا جذريا للإسراع في تفجير الحقيقة والوصول للعدالة".ولكن لدي شغف واحد: تنوير الذين تم حجبهم في الظلام، وباسم الإنسانية معاونة هؤلاء الذي عانوا الكثير ولهم حق التمتع بالسعادة.رسالتي رسالة احتجاج نارية وما هي الا مجرد صرخة روحي.دعوهم يتجرؤن ويجلبونني أمام محكمة قانونية، وليتم التحقيق معي في وضح النهار! " إميل زولا ،"إنى أتهم! "(1898)

الأربعاء، مايو 26، 2010

منهج التحليل الثقافي رؤية سودانية

منهج التحليل الثقافي رؤية فكرية سودانية شاملة
عاصم الحاج

لم تكن عملية بلورة الرؤى الفكرية لدى بعض المنتمين الى مؤتمر الطلاب المستقلين مجرد شعارات معلقة في الهواء ،بل كانت في الواقع محاولة جادة لإيجاد الردود لبعض الأسئلة التي واجهت بعض المنهمكين في العمل السياسي انذاك ، وقد كان نتاج تلكم الإجتهادات ما عرف بمدرسة أو منهج التحليل الثقافي .. والتي تبلورت في اواخر العام 1983 م وقد بدأت هذه المدرسة بالعديد من الشخصيات أبرزها هو الأستاذ / محمد جلال أحمد هاشم .
جاءت رؤيتها للثقافة بربطها ربطاً وثيقاً بالسلطة وصراع الإنسان حولها وذلك في سبيل بسط نفوذه عليها . ثم نظرت الى تراكمات هذه التجارب وكونت ما يعرف بالقوالب السلوكية ، تميزها عن بعضها البعض .
ومن خلال معرض رؤاها التراثية مدرسة التحليل الثقافي تتولى قضايا الاصالة والمعاصرة التي تخضع كلياً إلى نظرية الثابت والمتحول من حيث الشكل والوظائف والقيم .
تتعرض مدرسة التحليل الثقافي الى جدلية الثقافة وعلاقتها بالهوية والانتماء وصراع السلطة ، حيث يتم تقييم الصراع الثقافي على انه صراع جدلي لا يخضع الى قوانين الانتصار بمفاهيمه العريضة ينتهي بمراحل التلاقح الثقافي واثراء الثقافات وبدورها ترتقي بالانسان ، وفي مضمار هذا الترقي تتولد المجردات من المحسوسات ثم تتبلور في مجموعة من القيم الثقافية والتي بدورها تتأثربالمجتمعات والسلطة الممارسة داخلها مما تنتج عن ذلك عملية الاجترار الثقافي للقيم ، الامر الذي يقود الى درجة ملحوظة من التماسك وبدوره يؤدي الى الاحساس بالانتماء ، الا انه يتم اسقاطه على الارض ، بوضع حدود معنوية للثقافة واخرى مادية ( اللغة ، اللون ، ... ) .
الايدلوجيا في مدرسة التحليل الثقافي :
هي مجموعة الافكار الاساسية التي تشكل نظرة مجتمع بعينه الى نفسه والى العالم من حوله او الموقف الاساسي الذي يعبر به المجتمع عن اتجاهاته في الحاضر وامانيه في المستقبل .. ( أي أنها هي المحددات السلوكية المنبثقة عن الوعي الغير مباشر والخاصة بعملية ممارسة السلطة وفرض النفوذ ) .
ودحضت المدرسة المفاهيم المغلوطة للايدلوجيا ( المذهبية الفكرية ) .
القومية في منهج التحليل الثقافي :

فلسفة مؤتمر الطلاب المستقلين حول مفهوم القومية السودانية تدور حول معاني الانتماء ، وينظرون اليه على انه بسيط ومركب ، الانتماء البسيط هو ان يعتز الفرد بسودانيته من خلال اعتزازه بقبيلته أي أن يختزل الكل المركب ( السودان ) في الوحدة البسيطة ( القبيلة ) وبذلك يصبح السودان هو القبيلة والقبيلة هي السودان ، وبذلك ينظمون الخارطة الاجتماعية للسودان من خلال تعزيز وارساء دعائم التنوع الثقافي .. وتأتي بعد ذلك فلسفة الذاتية السودانية وهي الشعور الذاتي بالانتماء للاخر المختلف والمتباين ثقافياً .. وبذلك تتحقق معاني القومية السودانية .

ذهب المستقلون الى مراحل متقدمة في منهجهم التحليلي الى البحث عن مسألة هل القومية تذويب للقبيلة ؟ تقول الاستاذة وداد محمد عثمان بأنه ( لا تعارض بين الانتماء البسيط والمركب إذ ان الاخير ما هو الا نتاج تفاعلات مجموع الانتماءات البسيطة ) ولذلك يرون بان العلاقة بين الانتماء البسيط والمركب هي علاقة تجاوز وذلك بان يتم النظر الى السودان بصورته التشكيلية الفنية المتعددة ، وكل فرد يستطيع ان يجد ما يعبر عنه داخل هذه اللوحة الفنية فيوليها إهتماماً أكثر وكذلك الاخرين ..
تتطرقت مدرسة التحليل الثقافي الى مفهوم الديمقراطية التعددية الثقافية التي تختص بالخصائص الثقافية السودانية المتعددة ، أما سياسات الأحادية الثقافية تصب في مجرى التيار النازع نحو الدكتاتورية التي أثبتت فشلها الزريع إبان أنظمة الحكم السابقة في السودان ..

أما المبادئ التي ترتكز عليها الديمقراطية التعددية كما يرى أصحاب المدرسة فهي : حرية التعبير – حرية التنظيم – حرية الاعتقاد – الحق في الترشيح والانتخاب – المساواة – عدم التمييز والفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية .
ان مدرسة التحليل الثقافي تعتبر رؤية فكرية سودانية شاملة .. إرتبطت بروادها الاوائل وعلى رأسهم الاستاذ / محمد جلال أحمد هاشم وغيره من الرواد الاوائل نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الصادق إسماعيل – التجاني الحاج – باشمهندس محمد فاروق – قسم السيد الحاردلو – فائز الشيخ ومن أميزهم الاستاذ / أبكر ادم إسماعيل صاحب جدلية المركز والهامش .
نشر هذا المقال على صحيفة سودافويس الالكترونية
www.sudavoice.com

المصادر :

• منهج التحليل الثقافي – القومية السودانية وظاهرة الثورة والديمقراطية في الثقافة السودانية – بحث الخرطوم 1986 م – محمد جلال احمد هاشم

دراسات سابقة :

• حركة مؤتمر الطلاب المستقلين – بحث مخطوط 1998 م – وداد محمد عثمان احمد .

ليست هناك تعليقات: