" الإجراءات التي أتخذها ليست إلا تدبيرا جذريا للإسراع في تفجير الحقيقة والوصول للعدالة".ولكن لدي شغف واحد: تنوير الذين تم حجبهم في الظلام، وباسم الإنسانية معاونة هؤلاء الذي عانوا الكثير ولهم حق التمتع بالسعادة.رسالتي رسالة احتجاج نارية وما هي الا مجرد صرخة روحي.دعوهم يتجرؤن ويجلبونني أمام محكمة قانونية، وليتم التحقيق معي في وضح النهار! " إميل زولا ،"إنى أتهم! "(1898)

الأربعاء، مايو 26، 2010

محاكمة جاليليو

تقدم للمحاكمة وسجن لأنة قال ( أن الأرض تدور حول الشمس )
________________________________________
كان جاليليو أحد كبار علماء الفلك والفيزياء.. وحقق العديد من الاكتشافات الفلكية الهامة، عندما اخترع التليسكوب الإنكساري، ومن خلاله اكتشف أربعة أقمار تدور حول المشتري، كما أنه اكتشف قانون الأجسام الساقطة الذي يقول ( أن جميع الأجسام تسقط بنفس السرعة بغض النظر عن كتلتها..)

وقد درس جاليليو بجانب الفلك الطب والرياضيات مما أهله لأن يكون أعظم عالم في القرن السادس عشر الميلادي.

ومع ذلك فإن هذا العالم الكبير قدم للمحاكمة، وعرف ظلام السجن، وخاف من التعذيب، فأنكر ما قاله علي أن الشمس هي محور الكون، وليس الأرض، وأن الأرض تدور حول الشمس، وهذا يخالف رأي الكنيسة التي أتهمته بالهرطقة ومحاكمته....
وقد قال عنه أحد من أرخ له: في يوم واحد مشهود غرب نجم من ألمع النجوم في سماء الفن، وأشرق آخر في سماء العلم، نجمان قدر لهما أن ينيرا العالم بشعاعين ساطعين متعادلين.
ففي الثامن عشر من فبراير توفي مايكل أنجلو بوناردتي في روما، وولد ( جاليليو جاليلي ) في ( بيزا)
وكان جاليليو البكر بين خمسة أولاد، وعلمه والده أن يعزف العود والأرغن، وظهرت براعته في الرسم والشعر، واللغتين اللاتينية واليونانية ثم اتجه إلي دراسة الطب والرياضيات ولكن لوحظ أنه لا يتفق مع كل أراء أرسطو التي كانت تعتبر أرائه مقدسة في هذه الحقبة الزمنية. وبدأت مواهبه العلمية تبرز للعيان، وبدأ الناس يتحدثون عن اختراعاته وخاصة التليسكوب الانكساري الذي كان بإمكانه رؤية السفن البعيدة، والفضاء الخارجي وقد وجد أن سطح القمر جبلي، وأن المجرة تتألف من عدد هائل من النجوم مزروعة معا في تكتلات وأن كوكبه الجبار (أو الصياد) تشمل ما يزيد علي الخمسمائة نجم لا سبعة فحسب، وأكتشف سنة 1610م أقمار المشتري الأربعة الكبيرة، ولاحظ أنها تلف حوله، وخلال السنة نفسها اكتشف حلقة زحل ووجوه الزهرة وكلف الشمس.
وبدلا من أن يصفق علماء عصره له، اتهموا تليسكوبه بأنه يري أشياء لا وجود لها.
كتب أحدهم:
ومن السخف حقا أن يقال أربعة كواكب (أقمار المشتري) تتبع بعضها البعض الآخر حول كوكب كبير. إن الملائكة هي التي تجعل زحل والمشتري والشمس تدور. ولو كانت الأرض تدور لكانت بحاجة إلي ملاك في المركز ليحركها، فلو كانت الشياطين هي التي تعيش هناك فحسب لنتج عن ذلك أن شيطانا رجيما يكسب الأرض حركتها.
إن الكواكب والشمس والنجوم الثوابت كلها من نوع واحد يعني من نوع النجوم ولذا فإما أن تكون في حركة كلها أو في سكون كلها.. يتضح من ذلك أنه من الخطأ الفادح أن نعتبر الأرض، وهي حضيض من الفساد، واحدا من الأجرام السماوية التي هي كائنات إلهية طاهرة!!'
________________________________________
وهكذا استطاع جاليليو أن يحرك ركود الحياة العلمية، محاولا أن يحرر العلم من سطوة الكنيسة، ولكن الوضع كان أكبر منه، خاصة عندما ألف كتابا عن الأجسام الكافية، والكلف البادي علي سطح الشمس، وحديث في المد والجزر.. كل ذلك أثار الناس ضده، حتى أنه سافر إلي روما ليقدم التماسا بالاعتراف بالنظام الكوبرنيكي ، وليدافع عن أرائه التي تعارضها الكنيسة الكاثوليكية: قائلا: 'إنني أميل إلي الاعتقاد بأن القصد من سلطة الكتاب المقدس هو إقناع الملأ بالحق الضروري لخلاصهم، هذا الحق الذي يسمو كثيرا فوق إدراك البشر، فلا يمكن أن يزيد أي تعليم في إمكان التصديق به، ولا يتم ذلك إلا بوحي من الروح القدس ولكن يبدو لي أنني غير مدعو لأن أومن بأن الإله نفسه الذي منحنا الحواس والعقل والإدراك لا يسمح لنا أن نستعملها، وأنه يرغب في أن يعرفنا بأية طريقة أخري مثل تلك المعرفة التي بمقدورنا أن نصل إلي معرفتها بأنفسنا عن طريق ما منحنا إياه من قوي. وخاصة في تلك العلوم التي لا تشمل الكتب المقدسة إلا النذر اليسير والأقوال المتباينة عنها. إن هذا هو الحال مع علم الفلك، إذ لا يوجد عنه إلا القليل النادر حتى أن الكواكب لم تذكر بكاملها.

ولكن الكنيسة لم تأبه له. ومنعت الكتب التي تقول بصحة النظام الكوبرنيكي (الشمس لا الأرض هي مركز النظام الشمسي، وأن الأرض تدور حول محورها وهذا يسبب الليل والنهار، ودوراتها حول الشمس هم السبب في تغير الفصول).

وعندما ظهر كتابه (المحاورة) سنة 1632م، أثار حوله خصومه، واستدعي من قبل محكمة التفتيش للدفاع عن نفسه ضد اتهامه بالهرطقة وكان الرجل قد أقترب من السبعين من عمره، إنسان مهدم الجسم، محطم الروح، مرهق النفس، وكان يخشي هذه المحاكمة، لأنه يخشي السجن والتعذيب ، حتى أنه كتب لأحد أصدقائه يقول:
تزعجني هذه القضية لدرجة أنني أشتم الساعات التي صرفتها في هذه الدراسات التي جاهدت فيها، ورجوت منها أن أتجنب سلوك الطريق التي اعتاد أن يسلكها العلماء، ولست بالنادم فحسب علي أنني أعطيت للعالم بعض ما كتبت، ولكنني أشعر بالميل إلي التخلص ما لا يزال بين يدي منها فأرمي بها إلي النار لتحترق، فأشبع رغبات أعدائي الذين تضايقهم أفكاري لهذه الدرجة.
وذهب الرجل إلي روما محمولا علي نقالة وأودع السجن، حتى يمثل أمام محكمة التفتيش، وأمام المحكمة طلب أن تعامله المحكمة بالرأفة لمرضه وشيخوخته وقالت المحكمة أن القول بأن الشمس هي مركز العالم وبأنها لا تتحرك من مكانها أمر محال وهو فاسد فلسفيا، وهرطقي شكليا لأنه مخالف صراحة، للكتاب المقدس.. إلي أخر ما جاء في هذه المحكمة.. حكمت عليه المحكمة بالسجن الرسمي التابع لهذه الهيئة المقدسة لمدة وفق اختيارنا.. كما أننا نطلب منك علي سبيل التكفير المحمود أن تتلو (مزامير الندامة) مرة كل أسبوع في السنوات الثلاث القادمة
________________________________________
وقد تبرأ جاليليو من أرائه قائلا:
'أنا المدعو جاليليو جاليلي، ابن المدعو فنشنزو جاليلي من سكان فلورنسه، في السبعين من عمري.. أقسم أنني قد آمنت دوما، وأنني بعون الله سأؤمن في المستقبل كذلك، بكل ما تعتقده الكنيسة الكاثوليكية الرسولية في روما، وبكل ما تعلمه وتبشر به.. وبكل قلب مخلص وإيمان لا يتزعزع أتبرأ من ا لأفكار والهرطقة المذكورة وألعنها وأمقتها، كما أعلن إنني آخذ الموقف نفسه تجاه أية أخطاء قد تقع أو طائفة أخري تخالف تعاليمها تعاليم الكنيسة المقدسة المذكورة، وأقسم بأنني سوف لن أصور في المستقبل شفويا أو كتابة عما قد يثير شبهة مماثلة في كما أنني أشهد أمام هذه الهيئة المقدسة علي كل هرطقي أو مشبوه إذا ما عرفت بمثل ذلك'

وعاش بعد ذلك في بيته سجينا، علي ألا يستقبل الأصدقاء، أو يسمح باجتماع الكثيرين في آن واحد'
وفقد الرجل بصره، وقال معبرا عن حالته تلك: إن هذا الكون، وهذه الأرض، وهذه السماء التي كبرت أبعادها مئات ألوف المرات أكثر مما اعتقده حكماء العصور السابقة، بفضل اكتشافاتي العجيبة وبراهيني الواضحة، قد بات مقصورا، بالنسبة لي، علي الفضاء الصغير التي تملؤه حواسي الجسيمة'.

يقول مؤلف كتاب (مشاهير العلم)

'كان جاليليو قد طلب الدفن في مقبرة العائلة في (سانتا كروتش ) في فلورنسه، وقد نادت البلدة فورا بإقامة جنازة رسميه ، وبتخصيص ثلاثة آلاف كرون لمدفن رخامي، ولكن الكنيسة في روما منعت ذلك خوفا من أن يقوي ذلك من عقيدة جاليليو، وقاموا بدفنه في ركن متواضع من (دل فوفيشيانو)، وهي كنيسة جانبية في (سانتا كروتش) ولكن في الثاني من آزار سنة 1737م أي بعد مضي قرن ، نقلت رفات جاليليو باحتفال عظيم، إلي مدفن جديد في سانتا كروتش، حيث دفن مع صديقه فيفياني، وشيد صرح ضخم فوق لحده، وأعترف بصحة معتقدات جاليليو ، وأن كتبه المنشورة في ستة عشر مجلدا ، لم تعد محرمة من قبل الكنيسة كما كانت في حياته'.



وهكذا تخلي أحد كبار علماء الفلك والفيزياء عن علمة وأرائه بل وتبرأ منها لأنة كان يخشي المحاكمة، ويخشي السجن والتعذيب....

ليست هناك تعليقات: