" الإجراءات التي أتخذها ليست إلا تدبيرا جذريا للإسراع في تفجير الحقيقة والوصول للعدالة".ولكن لدي شغف واحد: تنوير الذين تم حجبهم في الظلام، وباسم الإنسانية معاونة هؤلاء الذي عانوا الكثير ولهم حق التمتع بالسعادة.رسالتي رسالة احتجاج نارية وما هي الا مجرد صرخة روحي.دعوهم يتجرؤن ويجلبونني أمام محكمة قانونية، وليتم التحقيق معي في وضح النهار! " إميل زولا ،"إنى أتهم! "(1898)

الأربعاء، مايو 26، 2010

قضية القوقع الذى غير القانون الإنجليزى.

هذه القضية الحقيقية يتم تدريسها فى الجامعات كمثال لسابقة ققضائية, غيرت القانون الإنجليزى, و أشير إليها الآن , لكى ألفت النظر إلى أن السوابق القضائية هى من المصادر المهمة للقانون بعد التشريع.

حدثت وقائع هذه القضية فى عام 1932, فى إحدى مدن إنجلترا , و ملخص القضية أن سيدة تدعى مسز دونوهيو ذهبت مع صديقة لها الى مقهى , حيث أصرت الصديقة على أن تقدم لها شراب من إختيارها, و طلبت مسز دونوهيو زجاجة من شراب الجنزبيل, التى أحضرها السفرجى مع كوب . و طلبت الصديقة فنجان قهوة.

صبت مسز دونوهيو بعض شراب الجنزبيل من الزجاجة البنية اللون فى الكوب الزجاجى, وشربت ما فى الكوب, ثم أمالت الزجاجة لكى تملأ الكوب ببقية المشروب, و لفزعها الشديد, رأت جسم قوقع متحلل يخرج من الزجاجة, و يسقط فى الكوب, محدثا صوت...... بلوب.

صرخت مسز دونوهيو فزعا, ثم سقطت مغشيا عليها, و بعد الإفاقة, أخذوها الى المستشفى, حيث تبين أنها تعانى من آلام فى المعدة, وقيئ شديد, و صدمة عصبية.

بعد خروجها من المستشفى, قررت رفع قضية على صاحب المقهى, و ذهبت الى محام مشهور, و قصت عليه القصة.

و قد أفادها المحامى بالآتى:

1- أمامها طريقان لرفع الدعوى: إما بموجب قانون عقد البيع, و إما طبقا لقوانين الإهمال.
2- لن يمكنها رفع الدعوى على صاحب المحل, لأنه لم يبيع لها المشروب, بل دفعت الصديقة تمن المشروب مقدما.
3- لن تستطيع أيضا أن ترفع قضية على صاحب مصنع المشروبات , لأنها لم تشترى المشروب منه.
4- كما أنها لن تستطيع رفع دعوى تعويض عن إهمال, حيث أنه لا يعرفها, و لاعلاقة له بها, لأن قانون الإهمال يتطلب إثبات أن المدعى يلتزم طبقا للقانون بالحيطة, و لم يخل بهذا القانون حيالها.
5- لن تستطيع مسز دودونوهيو رفع دعوى على صديقتها, حيث أن دعوتها الى شرب المشروب هى علاقة إجتماعية لا ترتب علاقة تعاقدية, أو تتضمن درجةإهمال.

ثم بعد تفكير, أضاف المحامى أن السيدة الصديقة صاحبة الدعوى لن تستطيع رفع دعوى على صاحب المقهى, لأنها لم تُصاب بأذى, و لن تستطيع رفع الدعوى على صاحب الشركة صانعة المشروب لنفس السبب.

ثم حك المحامى رأسه, و قال: هل نظرتى فى الزجاجة قبل صب المشروب؟ فردت قائلة:ا لزجاجة كانت قاتمة اللون, و مغبشة, و لم أستطع رؤية ما بداخلها.

ففكر المحامى قليلا , ثم قال لها أنه سيرفع دعوى على صاحب المصنع , لأنه حتى و لو يكن مسئولا عن سلامة منتجاته قبلها, (لأنها لم تشتر الزجاجة منه), إلا أنه مسئول عن سلامة المنتج قبل المجتمع كله, الذى قد يتعرض لنفس الظروف, بمعنى أن صاحب المصنع كان مهملا فى التأكد من نظافة الزجاجة, و كان من اللازم أن يتوقع أن يؤدى هذا الإهمال الى إحداث إصابة أو مرض لشخص أو أشخاص.
و لم تاخذ المحكمة الإبتدائية بوجهة نظره, و حكمت برفض دعوى التعويض.
و لكن المحامى العنيد أعاد القضية أمام محكمة عليا, و أيدت المحكمة العليا حق مسز دونوهيو فى التعويض السخى, و كان من حيثيات الحكم:
-1أن مسز دونوهيو المصابة لم تكن طرفا لعلاقة تعاقدية.
-2 لم يكن فى إستطاعة صاحب المقهى التفتيش على محتويات الزجاجة المغلقة المعتمة, قبل أن يقدمها للزبونة.
-3 أن الزجاجة وصلت الى المستهلك فى نفس الحالة التى كانت عليها وقت الخروج من المصنع, بدون وجود فرصة للعبث بمحتوياتها.
-4كان من المعقول و من المفروض أن يتوقع صاحب المصنع أن إهماله سوف يؤدى حتما الى إصابة أحد مستهلكى بضاعته.
-5 تعتبر مسز دونوهيو , التى إستهلكت بضاعته فى محل الشخص الواجب بالرعاية, و قد أخل صاحب المصنع بهذا الواجب ( واجب الرعاية). لأن إصابتها كانت نتيجة مباشرة لإهماله.
-6 إصيبت مسز دونوهيو بصدمة عصبية, و مغص فى الأمعاء, و قيئ شديد, بسبب إهمال صاحب المصنع.
للأسباب المبينة أعلاه, أصدر القاضى حكما بتعويض جسيم.
و قد أدى الحكم الصادر من هذه المحكمة العليا, الى خلق سابقة قانونية, واجبة الإتباع من بقية المحاكم, و القانون الذى خلقته هذه القضية لأول مرة فى القانون الإنجليزى هو:
* أن صاحب أى مصنع مسئول عن أى ضرر يتنج لمستعمل منتجاته, متى كان الضرر نتيجة مباشرة لإستعمال هذا المنتج, و يكون هذا حتى ولو لم يشترى المستهلك هذا المنتج من صاحب المصنع مباشرة.
و بهذا, دخل هذا القوقع التاريخ القانونى من أضيق عنق زجاجة جنزبيل.....

ليست هناك تعليقات: